هل إيران بحاجة إلى قنبلة؟ رؤية عربية في عالم نووي متأزم.
المؤلف: علي صالح الضريبي08.31.2025

عنوان هذا المقال يثير العديد من الاستفهامات الجوهرية، والتي تتناقض إجاباتها المنطقية مع ما طرحه عالم السياسة البارز، البروفيسور الأمريكي كينيث والتز (8 يونيو 1924 – 12 مايو 2013)، في مقاله الشهير الذي حمل عنوانًا استفزازيًا: «لماذا يجب على إيران أن تحصل على القنبلة؟ - Why Iran Should Get The Bomb?». نُشر هذا المقال المثير للجدل في عام 2012 في مجلة «الشؤون الدولية Foreign Affairs» الأمريكية المرموقة، وقد استمد والتز فكرته الأساسية من كتابه الذي صدر في عام 1981 بعنوان: «The Spread of Nuclear Weapons: More May Be Better»، والذي يترجم إلى: «انتشار الأسلحة النووية: الكثير منها قد يعني الأفضل».
ما زلت أتذكر بإمعان، واليوم أكثر من أي وقت مضى.. تلك المحاضرة القيمة التي حضرتها في أواخر عام 2012، في مقر
Centre Européen de Recherches Internationales & Stratgégiques - المركز الأوروبي للبحوث والدراسات الدولية والإستراتيجية (CERIS)، والذي أتشرف اليوم برئاسته إقليميًا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو أحد أبرز المراكز الفكرية والأكاديمية في أوروبا والعالم. كان كينيث والتز، الذي كان بالمناسبة أستاذًا للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في جامعة شيكاغو خلال فترة دراسته، هو المتحدث الرئيسي في تلك الفعالية. تمحورت المحاضرة حول مقاله المذكور، حيث استعرض رؤيته الجيوسياسية التي تستند إلى نظريته المعروفة بـ «السياسة الواقعية الجديدة - neorealism». وارتكزت هذه الرؤية على أن حصول إيران على السلاح النووي سيؤدي حتمًا إلى تحقيق توازن مع الخطر النووي الإسرائيلي، وردع التصرفات الإسرائيلية غير المتزنة في المنطقة، وبالتالي منع حالة الفوضى التي قد تنجم عن تفوق إسرائيل النووي.
بينما كنت أستمع إليه في ذلك اليوم، كانت الأسئلة تتزاحم في ذهني.. هل حقًا سيؤدي التوازن النووي بين إيران وإسرائيل إلى إبعاد شبح الحروب والفوضى عن المنطقة؟ سواء اتفقت أو اختلفت مع والتز، فإنه بلا شك قد بنى رؤيته الجيوسياسية هذه على أساس سياسة واقعية بحتة، تُعرف باسم Realpolitik، أي السياسة الواقعية العملية التي تتجرد من العواطف وتنصرف إلى البحث عن الوسائل، مهما كانت طبيعتها، التي تحقق الأهداف المنشودة. يجدر بالذكر أن كينيث والتز قد نشر مقاله المثير للجدل قبل وفاته بأشهر قليلة (توفي عام 2013)، وقد اعتبرت هذه المقالة بمثابة «وصية» لتلميذه، الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، الذي بدا وكأنه يسعى جاهدًا لتحقيقها. فخلال فترة رئاسته، شهدت المفاوضات النووية الإيرانية مع مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة + ألمانيا) تقدمًا ملحوظًا وازدهارًا لصالح إيران، فيما عُرف بـ «صفقة إيران»!
شخصيًا، أجدني أختلف كليًا مع ما طرحه والتز، وأرى أن لدي أفضلية في هذا الخلاف، لكوني أولًا وقبل كل شيء، ابن هذه المنطقة، وقد عشت عن قرب وشهدت ديناميكية الصراعات فيها وطبيعتها المعقدة، على عكس والتز الذي اكتفى بالتنظير من بعيد، على بعد آلاف الأميال، دون أن يعيش في منطقة الشرق الأوسط ويفهم عن كثب تداعيات الصراعات وأجندة القوى المتصارعة فيها. فعلى سبيل المثال، تجاهل طرح والتز الدوافع الأيديولوجية العميقة للنظام الإيراني، كما أغفل الطبيعة المتقلبة وغير المتوقعة لانتشار الأسلحة النووية.
وعلى النقيض من نظرية والتز، فإن امتلاك إيران للسلاح النووي سيؤدي إلى تصعيد الصراعات الإقليمية، ودفع المنطقة بأسرها إلى سباق تسلح خطير. ومن هنا، فإن فكرة والتز القائلة بأن «المزيد من القنابل يعني المزيد من السلام» هي فكرة наивная إلى حد الخطورة، خاصة في منطقة تتغلغل فيها الفصائل غير الحكومية (الميليشيات) والدوافع الأيديولوجية المتعصبة، والتي تقوض مبدأ الردع القائم على العقلانية، كما كان الحال في فترة الحرب الباردة. لقد أدى انغماس والتز المفرط في التنظير الأكاديمي، وابتعاده الكبير عن واقع الشرق الأوسط، إلى تجاهله لحقيقة أساسية، وهي أن السلاح النووي، سواء في يد إيران أو حتى إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية بالفعل، لا يجلب الاستقرار المنشود، بل يقود حتمًا إلى الفوضى العارمة. ولا يوجد دليل أبلغ على ذلك من الفوضى التي تشهدها المنطقة اليوم، والتي تتجلى في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي أشعلت فتيلها إسرائيل، وتلتها الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة من جانب إيران، ورد إسرائيل، وتدخل الولايات المتحدة إلى جانبها مؤخرًا بعمليات عسكرية استهدفت منشآت نووية، والذي أعقبه الرد الإيراني الأخير بقصف صاروخي استهدف دولة خليجية شقيقة.. قطر.
كل هذه الفوضى المتفاقمة قد أوصلت المنطقة إلى حافة الانفجار الشامل، ولا تزال دول فيها معرضة لخطر وجودي حقيقي، وأعني تحديدًا دول الخليج العربي.. هذه الدول الست.. الواحات الآمنة وسط العواصف النارية!
ناهيك عن أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيؤدي بالضرورة إلى سباق تسلح إقليمي محموم، حيث ستسعى دول مثل السعودية وتركيا حينها لامتلاك أسلحة نووية خاصة بها. كما سيؤدي ذلك إلى شلل كامل للمسار الدبلوماسي المتعثر أصلًا! ففكرة الردع (بمعنى وجود إيران كقوة نووية رادعة لإسرائيل) لن تنجح بأي حال من الأحوال، لأن أيديولوجية إسرائيل تقوم على الاحتلال والتوسع المستمر تحت شعار زائف هو «إسرائيل الكبرى.. من النهر إلى البحر».
قبل الختام، أؤكد أن الحل الأمثل لتحقيق الاستقرار الدائم في منطقة الشرق الأوسط لا يكمن إطلاقًا في انتشار القنابل النووية، سواء تلك الإيرانية المرتقبة أو الإسرائيلية الموجودة بالفعل. إن إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، على الرغم من كونه هدفًا مثاليًا وبعيد المدى، إلا أنه يجب أن يظل طموحًا إقليميًا مستمرًا. أما على المدى القصير، فإن أنجع حل منطقي وواقعي وقابل للتنفيذ ويفضي إلى بناء الثقة والاعتراف المتبادل هو في تبني مبدأ التعايش السلمي دون الخضوع للهيمنة الأيديولوجية، وذلك ضمن ترتيب يُعرف بـ «modus vivendi»، وهو مبدأ راسخ في العلاقات الدولية يقوم على التعايش المؤقت كأمر واقع بين أطراف متنازعة (إيران وإسرائيل) دون التوصل إلى اتفاق نهائي. وبالطبع، لن يتحقق ذلك الاتفاق النهائي المنشود دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، القضية المركزية في الشرق الأوسط والتي تمثل أساسًا أو «قميص عثمان» لصراعاته المزمنة، وذلك عبر قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية التي طرحت في عام 2002.
يقول نيكولو مكيافيلي بحكمة:
«الحروب تبدأ حينما تشاء، لكنها لا تنتهي حينما ترغب».
وأزيد على قول مكيافيلي، بأن الحروب لا تنتهي حينما ترغب، وأيضًا.. أينما ترغب، فهي لا تنحصر بعدها في الغالب بين طرفين متقاتلين، بل تتعداهما جيوسياسيًا، ليتسع نطاق ضررها البشري والمادي.
رسالة ختامية عبر هذا المنبر السعودي الكريم، على أرض الشقيقة الكبرى لباقي دول الخليج العربية الشقيقة، بلسان شاعر من أرض الشقيقة الكبرى:
أخاك أخاك إنّ من لا أخاً لهُ
كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاحِ
وفهمكم كافٍ!
ما زلت أتذكر بإمعان، واليوم أكثر من أي وقت مضى.. تلك المحاضرة القيمة التي حضرتها في أواخر عام 2012، في مقر
Centre Européen de Recherches Internationales & Stratgégiques - المركز الأوروبي للبحوث والدراسات الدولية والإستراتيجية (CERIS)، والذي أتشرف اليوم برئاسته إقليميًا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو أحد أبرز المراكز الفكرية والأكاديمية في أوروبا والعالم. كان كينيث والتز، الذي كان بالمناسبة أستاذًا للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في جامعة شيكاغو خلال فترة دراسته، هو المتحدث الرئيسي في تلك الفعالية. تمحورت المحاضرة حول مقاله المذكور، حيث استعرض رؤيته الجيوسياسية التي تستند إلى نظريته المعروفة بـ «السياسة الواقعية الجديدة - neorealism». وارتكزت هذه الرؤية على أن حصول إيران على السلاح النووي سيؤدي حتمًا إلى تحقيق توازن مع الخطر النووي الإسرائيلي، وردع التصرفات الإسرائيلية غير المتزنة في المنطقة، وبالتالي منع حالة الفوضى التي قد تنجم عن تفوق إسرائيل النووي.
بينما كنت أستمع إليه في ذلك اليوم، كانت الأسئلة تتزاحم في ذهني.. هل حقًا سيؤدي التوازن النووي بين إيران وإسرائيل إلى إبعاد شبح الحروب والفوضى عن المنطقة؟ سواء اتفقت أو اختلفت مع والتز، فإنه بلا شك قد بنى رؤيته الجيوسياسية هذه على أساس سياسة واقعية بحتة، تُعرف باسم Realpolitik، أي السياسة الواقعية العملية التي تتجرد من العواطف وتنصرف إلى البحث عن الوسائل، مهما كانت طبيعتها، التي تحقق الأهداف المنشودة. يجدر بالذكر أن كينيث والتز قد نشر مقاله المثير للجدل قبل وفاته بأشهر قليلة (توفي عام 2013)، وقد اعتبرت هذه المقالة بمثابة «وصية» لتلميذه، الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، الذي بدا وكأنه يسعى جاهدًا لتحقيقها. فخلال فترة رئاسته، شهدت المفاوضات النووية الإيرانية مع مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة + ألمانيا) تقدمًا ملحوظًا وازدهارًا لصالح إيران، فيما عُرف بـ «صفقة إيران»!
شخصيًا، أجدني أختلف كليًا مع ما طرحه والتز، وأرى أن لدي أفضلية في هذا الخلاف، لكوني أولًا وقبل كل شيء، ابن هذه المنطقة، وقد عشت عن قرب وشهدت ديناميكية الصراعات فيها وطبيعتها المعقدة، على عكس والتز الذي اكتفى بالتنظير من بعيد، على بعد آلاف الأميال، دون أن يعيش في منطقة الشرق الأوسط ويفهم عن كثب تداعيات الصراعات وأجندة القوى المتصارعة فيها. فعلى سبيل المثال، تجاهل طرح والتز الدوافع الأيديولوجية العميقة للنظام الإيراني، كما أغفل الطبيعة المتقلبة وغير المتوقعة لانتشار الأسلحة النووية.
وعلى النقيض من نظرية والتز، فإن امتلاك إيران للسلاح النووي سيؤدي إلى تصعيد الصراعات الإقليمية، ودفع المنطقة بأسرها إلى سباق تسلح خطير. ومن هنا، فإن فكرة والتز القائلة بأن «المزيد من القنابل يعني المزيد من السلام» هي فكرة наивная إلى حد الخطورة، خاصة في منطقة تتغلغل فيها الفصائل غير الحكومية (الميليشيات) والدوافع الأيديولوجية المتعصبة، والتي تقوض مبدأ الردع القائم على العقلانية، كما كان الحال في فترة الحرب الباردة. لقد أدى انغماس والتز المفرط في التنظير الأكاديمي، وابتعاده الكبير عن واقع الشرق الأوسط، إلى تجاهله لحقيقة أساسية، وهي أن السلاح النووي، سواء في يد إيران أو حتى إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية بالفعل، لا يجلب الاستقرار المنشود، بل يقود حتمًا إلى الفوضى العارمة. ولا يوجد دليل أبلغ على ذلك من الفوضى التي تشهدها المنطقة اليوم، والتي تتجلى في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي أشعلت فتيلها إسرائيل، وتلتها الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة من جانب إيران، ورد إسرائيل، وتدخل الولايات المتحدة إلى جانبها مؤخرًا بعمليات عسكرية استهدفت منشآت نووية، والذي أعقبه الرد الإيراني الأخير بقصف صاروخي استهدف دولة خليجية شقيقة.. قطر.
كل هذه الفوضى المتفاقمة قد أوصلت المنطقة إلى حافة الانفجار الشامل، ولا تزال دول فيها معرضة لخطر وجودي حقيقي، وأعني تحديدًا دول الخليج العربي.. هذه الدول الست.. الواحات الآمنة وسط العواصف النارية!
ناهيك عن أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيؤدي بالضرورة إلى سباق تسلح إقليمي محموم، حيث ستسعى دول مثل السعودية وتركيا حينها لامتلاك أسلحة نووية خاصة بها. كما سيؤدي ذلك إلى شلل كامل للمسار الدبلوماسي المتعثر أصلًا! ففكرة الردع (بمعنى وجود إيران كقوة نووية رادعة لإسرائيل) لن تنجح بأي حال من الأحوال، لأن أيديولوجية إسرائيل تقوم على الاحتلال والتوسع المستمر تحت شعار زائف هو «إسرائيل الكبرى.. من النهر إلى البحر».
قبل الختام، أؤكد أن الحل الأمثل لتحقيق الاستقرار الدائم في منطقة الشرق الأوسط لا يكمن إطلاقًا في انتشار القنابل النووية، سواء تلك الإيرانية المرتقبة أو الإسرائيلية الموجودة بالفعل. إن إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، على الرغم من كونه هدفًا مثاليًا وبعيد المدى، إلا أنه يجب أن يظل طموحًا إقليميًا مستمرًا. أما على المدى القصير، فإن أنجع حل منطقي وواقعي وقابل للتنفيذ ويفضي إلى بناء الثقة والاعتراف المتبادل هو في تبني مبدأ التعايش السلمي دون الخضوع للهيمنة الأيديولوجية، وذلك ضمن ترتيب يُعرف بـ «modus vivendi»، وهو مبدأ راسخ في العلاقات الدولية يقوم على التعايش المؤقت كأمر واقع بين أطراف متنازعة (إيران وإسرائيل) دون التوصل إلى اتفاق نهائي. وبالطبع، لن يتحقق ذلك الاتفاق النهائي المنشود دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، القضية المركزية في الشرق الأوسط والتي تمثل أساسًا أو «قميص عثمان» لصراعاته المزمنة، وذلك عبر قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية التي طرحت في عام 2002.
يقول نيكولو مكيافيلي بحكمة:
«الحروب تبدأ حينما تشاء، لكنها لا تنتهي حينما ترغب».
وأزيد على قول مكيافيلي، بأن الحروب لا تنتهي حينما ترغب، وأيضًا.. أينما ترغب، فهي لا تنحصر بعدها في الغالب بين طرفين متقاتلين، بل تتعداهما جيوسياسيًا، ليتسع نطاق ضررها البشري والمادي.
رسالة ختامية عبر هذا المنبر السعودي الكريم، على أرض الشقيقة الكبرى لباقي دول الخليج العربية الشقيقة، بلسان شاعر من أرض الشقيقة الكبرى:
أخاك أخاك إنّ من لا أخاً لهُ
كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاحِ
وفهمكم كافٍ!